كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجمهورُ يأبَوْن جَعْلها إلا للإلصاق أو التعديةِ، ويَرُدُّون جميعَ المواضعِ المذكورةِ إليهما، وليس هذا موضع استدلال وانفصال. وقد تُزاد مطَّردةً وغيرَ مطَّردة، فالمطَّردةُ في فاعل كفى نحو: {كفى بالله} أي: كفى اللهُ، بدليل سقوطِها في قول الشاعر:
كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيًا

وفي خبرِ ليس وما أختِها غيرَ موجَبٍ بإلاَّ، كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ}.
وفي: بحَسْبكِ زيد. وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ كفَى، كقوله:
فكفى بنا فَضْلًا على مَنْ ** غيرُنا حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا

أي: كَفانا، وفي البيت كلام آخرُ، وفي المبتدأ غيرَ حَسْب ومنه في أحدِ القولين: {بأيِّكم المفتونُ} وقيل: المفتون مصدر كالمَعْقول والمَيْسور، فعلى هذا ليست زائدةً، وفي خبر لا أختِ ليس، كقوله:
فكُنْ لي شفيعًا يومَ لا ذو شفاعةٍ ** بمُغْنٍ فتيلًا عن سَوادِ بنِ قاربِ

أي: مُغْنيًا، وفي خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ ** بِأعجلِهم إذْ أَجْشَعُ القومِ أعْجَلُ

أي: لم أكنْ أعجلَهم، وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيِّيْنِ أيضًا كقوله:
فما رَجَعَتْ بخَائِبَةٍ رِكاب ** حكيمُ بنُ المُسَيَّب مُنْتَهاها

وقولِ الآخر:
دهاني أخي والخيلُ بيني وبينه ** فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ

أي: ما رَجَعَت رِكابُ خائبةً، ولم يَجِدْني قُعْدَدًا، وفي خبر إنَّ كقول امرئ القيس:
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها ** فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ

أي: فإنك المجرِّب، وفي: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ} وشبهه.
والاسمُ لغةً: ما أبانَ عن مُسَمَّى، واصطلاحًا: ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمان ودالٍّ جزء من أجزائه على جزءٍ من أجزاء معناه، وبهذا القيدِ الأخيرِ خَرَجت الجملةُ الاسميةُ، والتسميةُ: جَعْلُ ذلك اللفظِ دالًا على ذلك المعنى.
واختلف الناسُ: هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه؟ وهي مسألة طويلة، تكلَّك الناسُ فيها قديمًا وحديثًا واستشكلوا على كونه هو المُسَمَّى إضافَتَه إليه، فإنه يلزم منه إضافةُ الشيء إلى نفسِه، وأجاب أبو البقاء عن ذلك بثلاثة أجوبة، أجودُها: أنَّ الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسميةُ غيرُ الاسم، لأنَّ التسمية هي اللفظُ بالاسم، والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى فتغايرا. الثاني: أنَّ في الكلام حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: باسم مُسَمَّى اللهِ. الثالث: أن لفظَ اسم زائد كقولِه:
إلى الحَوْلِ ثم اسمُ السلامِ عليكما ** ومَنْ يَبْكِ حولًا كاملًا فقد اعتذَرْ

أي: السلام عليكما، وقول ذي الرمة:
لاَ يَرْفَعُ الطرفَ إلاَّ ما تَخَوَّنَهُ ** داعٍ يُناديه باسمِ الماءِ مَبْغَومُ

وإليه ذهب أبو عبيدة والأخفش وقطرب.
واختلفوا في معنى الزيادة فقال الأخفش: ليخرجَ من حُكْمِ القسم إلى قَصْدِ التبرُّك.
وقال قطرب: زيد للإجلال والتعظيم، وهذان الجوابان ضعيفان لأنَّ الزيادةَ والحذفَ لا يُصار إليهما إلاَّ إذا اضطُرَّ إليهما.
ومن هذا القَبيلِ- أعني ما يُوهِمُ إضافةَ الشيءِ إلى نفسِه- إضافةُ الاسمِ إلى اللقبِ والموصوفِ إلى صفتهِ، نحو: سعيدُ كُرزٍ وزيدُ قُفَّةٍ ومسجدُ الجامعِ وبَقْلَةُ الحمقاءِ، ولكن النحويين أوَّلوا النوع الأول بأنْ جعلوا الاسمَ بمعنى المُسَمَّى واللقبَ بمعنى اللفظِ، فتقديرُه: جاءني مسمَّى هذا اللفظِ، وفي الثاني جَعَلوه على حَذْفِ مضافٍ، فتقديرُ بقلةِ الحمقاءِ: بقلةُ الحبَّةِ والحمقاءِ، ومسجدُ الجامعِ: مسجدُ المكانِ الجامعِ.
واختلف النحويون في اشتقاقه: فذهب أهلُ البصرة إلى أنه مشتق من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرهُ، وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوَسْم وهو العلامةُ لأنه علامة على مُسَمَّاه، وهذا وإنْ كان صحيحًا من حيث المعنى لكنه فاسد من حيث التصريفُ.
استدلَّ البصريون على مذهبهم بتكسيرِهم له على أَسْماء وتصغيرهم له على سُمَيّ، لأن التكسير والتصغير يَرُدَّان الأشياء إلى أصولها، وتقولُ العَربُ: فلان سَمِيُّك، وسَمَّيْتُ فلانًا بكذا، وأسْمَيْتُه بكذا، فهذا يَدُلُّ على اشتقاقه من السموّ، ولو كان من الوَسْم لقيل في التكسير: أوْسام، وفي التصغير: وُسَيْم، ولقالوا: وَسِمُك فلان ووَسَمْتُ وأَوسَمْتُ فلانًا بكذا، فدلَّ عدمُ قولِهم ذلك أنه ليس كذلك. وأيضًا فَجَعْلُه من السموّ مُدْخِل له في البابِ الأكثرِ، وجَعْلُه من الوَسْم مُدْخِل له في الباب الأقلِّ؛ وذلك أن حَذْفَ اللام كثير وحذفَ الفاءِ قليل، وأيضًا فإنَّا عَهْدْناهم غالبًا يُعَوِّضون في غير محلِّ الحَذْفَ فَجَعْلُ همزةِ الوصل عوضًا من اللام موافق لهذا الأصل بخلافِ ادِّعاءِ كُوْنِها عوضًا من الفاء. فإن قيل: قولُهم أسماء في التكسير وسُمَيّ في التصغير لا دلالةَ فيه لجوازِ أن يكون الأصلُ: أَوْسَامًا ووُسَيْمًا، ثم قُلِبَتِ الكلمةُ بأَنْ أُخِّرَتْ فاؤُها بعد لامها فصار لفظُ أوْسام: أَسْماوًا، ثم أُعِلَّ إعلالَ كساء، وصار وُسَيْم سُمَيْوًا، ثم قُلِبَتِ الكلمةُ بأَنْ أُخِّرَتْ فاؤُها بعد لامها فصار لفظُ أوْسام: أسْماوًا، ثم أعِلَّ إعلالَ كساء، وصار وُسَيْم سُمَيْوًا، ثم أُعِلَّ إعلالَ جُرِيّ تصغير جَرْو. فالجواب أنَّ ادِّعاء ذلك لا يفيدُ، لأنَّ القَلْبَ على خلافِ القياس فلا يُصارُ إيله ما لم تَدْعُ إليه ضرورة. وهل لهذا الخلافِ فائدة أم لا؟ والجوابُ أن له فائدةً، وهي أنَّ مَنْ قال باشتقاقِه من العلوِّ يقول: إنه لم يَزَلْ موصوفًا قبل وجودِ الخلق وبعدَهم وعند فَنائِهم، لا تأثيرَ في أسمائه ولا صفاتِه وهو قول أهل السُّنَّةِ. وَمنْ قال بأنه مشتقّ من الوَسْم يقول: كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفةٍ، فلما خَلَقَ الخلق جعلوا له أسماء وصفاتٍ وهوقول المعتزلة، وهذا أشدُّ خطأً من قولهِم بخلق القرآن وعلى هذا الخلافِ وَقَعَ الخلافُ أيضًا في الاسم والمُسَمَّى. وفي الاسم خمسُ لغاتٍ: اسم بضم الهمزة وكسرها، وسُِم بكسر السين وضمها.
وقال أحمد بن يحيى: سُم بضم السين أَخَذَه من سَمَوْتُ أسْمُو، ومَنْ قاله بالكسر أخذه من سَمَيْتُ أسْمي، وعلى اللغتين قوله:
وعامُنا أَعْجبنا مُقَدَّمُهْ ** يُدْعى أبا السَّمْحِ وقِرضاب سُِمُهْ

مُبْتَرِكًا لكلِّ عَظْمٍ يَلْحُمُهْ

يُنْشَدُ بالوجهين، وأنشدوا على الكسر:
باسمِ الذي في كلِّ سورةٍ سُِمُهْ

فعلى هذا يكون في لام اسم وجهان، أحدهما: أنها واو، والثاني: أنها ياء وهو غريب، ولكنَّ أحمد بن يحيى جليلُ القدر ثقة فيما ينقل. وسُمَىً مثل هُدَىً. واستدلُّوا على ذلك بقول الشاعر:
واللهُ أسْماك سُمَىً مُبارَكًا ** آثرك اللهُ به إيثارَكَا

ولا دليلَ في ذلك لجوازِ أن يكونَ من لغةِ مَنْ يجعله منقوصًا مضمومَ السين وجاء به منصوبًا، وإنما كان ينتهض دليلًا لو قيل: سُمَىً حالةَ رفعٍ أو جَرٍّ.
وهمزتُه همزةُ وصلٍ أي تُثْبَت ابتداءً وتُحْذَفُ دَرْجًا، وقد تُثْبَتُ ضرورةً كقوله:
وما أنا بالمَخْسوسِ في جِذْمِ مالكٍ ** ولا مَنْ تسمَّى ثم يلتزِم الإسما

وهو أحدُ الأسماءِ العشرةِ التي ابتُدِئ في أوائِلها بهمزةِ الوصلِ وهي: اسم واست وابن وابنُم وابنة وامرؤ وامرأة واثنان واثنتان وايمنُ في القسم. والأصل في هذه الهمزةِ أن تُثْبَتَ خَطًّا كغيرِها من همزاتِ الوصل، وإنما حَذَفوها حين يُضاف الاسمُ إلى الجلالةِ خاصةً لكثرة الاستعمال. وقيل: ليوافقَ الخطُّ اللفظَ. وقيل لا حذفَ أصلًا، وذلك لأن الأصل: سِم أو سُم بكسر السين أو ضمها فلمَّا دخلتِ الباءُ سَكَنَتِ العينُ تخفيفًا، لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة، وهذا حكاه النحاس وهو حسن، فلو أضيف إلى غير الجلالة ثَبَتَتْ، نحو: باسم الرحمن، هذا هو المشهور، وحُكِيَ عن الكسائي والأخفش جوازُ حَذْفِها إذا أُضيفت إلى غيرِ الجلالة من أسماء الباري تعالى نحو: بسمِ ربِّك، بسمِ الخالق.
واعْلم أنَّ كلَّ جار ومجرور لابد له من شيءٍ يَتَعَلَّقُ به، فعلٍ أو ما في معناه، إلا في ثلاثِ صور: حرفِ الجر الزائد ولعلَّ ولولا عند مَنْ يجر بهما، وزاد الأستاذ ابن عصفور كاف التشبيه، وليس بشيء فإنها تتعلَّق. إذا تقرر ذلك ف {بسم الله} لابد من شيء يتعلق به ولكنه حُذِف.
واختلف النحويون في ذلك، فذهب أهلُ البصرةِ إلى أنَّ المُتَعَلَّقَ به اسم، وذهب أهل الكوفة إلى أنه فِعْل، ثم اختَلَفَ كل من الفريقين: فذهب بعضُ البصريين إلى أنَّ المحذوفَ مبتدأ حُذِفَ هو وخبرهُ وبقي معمولُه، تقديره: ابتدائي باسم الله كائن أو مستقر، أو قراءتي باسم الله كائنة أو مستقرة. وفيه نظر من حيث إنه يلزمُ حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معمولِه وهو ممنوع، وقد نص مكي على مَنْع هذا الوجهِ. وذهبَ بعضُهم إلى أنه خبر ممنوع، وقد نص مكي على مَنْع هذا الوجهِ. وذهبَ بعضهُم إلى أنه خبر حُذِف هو ومبتدؤه أيضًا وبقي معمولُه قائمًا مَقامَه، والتقدير: ابتدائي كائن باسمِ الله، أو قراءتي كائنة باسم الله نحو: زيد بمكةَ، فهو على الأول منصوبُ المحلِّ وعلى الثاني مرفُوعه لقيامِهِ مقامَ الخبر. وذهب بعضُ الكوفيين إلى أنَّ ذلك الفعلَ المحذوفَ مقدَّر قبله، قال: لأنَّ الأصلَ التقديمُ، والتقدير: أقرأُ باسم الله أو أبتدئُ باسم الله. ومنهم مَنْ قدَّر بعده: والتقدير: باسم الله أقرأ أو أبتدئ أو أتلو، وإلى هذا نجا الزمخشري قال: ليفيدَ التقديمُ الاختصاصَ لأنه وقع ردًّا على الكفرة الذين كانوا يبدؤون بأسماءِ آلهتهم كقولهم: باسم اللات، باسم العُزَّى، وهذا حسن جدًا، ثم اعترض على نفسِه لقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}.
حيث صَرَّح بهذا العامل مُقَدَّمًا على معمولِه، ثم أجاب بأنَّ تقديمَ الفعل في سورة العلق أوقعُ لأنها أولُ سورةٍ نَزَلَت فكان الأمرُ بالقراءة أهمَّ. وأجاب بأنَّ ب {اسم ربك} ليس متعلقًا ب {اقرأ} الذي قبله، بل ب {اقرأ} الذي بعده، فجاء على القاعدة المتقدمة. وفي هذا نظر لأن الظاهرَ على هذا القول أن يكون {اقرأ} الثاني توكيدًا للأول فيكون قد فَصَلَ بمعمول المؤكِّد بينه وبين ما أكَّده مع الفصل بكلامٍ طويل.
واختلفوا أيضًا: هل ذلك الفعلُ أو أو خبر. فذهب الفراء أنه أمْر تقديرُه: اقرأ أنت باسم الله، وذهب الزجاج أنه خبر تقديره: اقرأ أنا أو أبتَدِئُ ونحوهُ.
و {الله} في: {بسم الله} مضاف إليه، وهل العاملُ في المضاف إليه المضافُ أو حرفُ الجرِّ المقدَّرِ أو معنى الإضافة ثلاثةُ أقوال خَيْرُها أوسطُها. وهو عَلَم على المعبودِ بحق، لاَ يُطلق على غيره، ولَم يَجْسُرْ أحد من المخلوقين أن يَتَسَّمى به، وكذلك الإله قبل النقل والإدغامِ لا يُطْلق إلا على المعبودِ بحقٍّ. قال الزمخشري: كأنه صار عَلَمًا بالغلَبة، وأمّا إله المجردُ من الألف واللام فيُطلق على المعبود بحقٍّ وعلى غيره، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ} واختلف الناسُ هل هو مُرْتَجَل أو مشتق؟، والصوابُ الأولُ، وهو أعرفُ المعارف. يُحْكى أن سِيبوِيه رُئيَ في المنام فقيل له ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: خيرًا كثيرًا، لجَعْلِي اسمَه أعرفَ المعارفِ.
ثم القائلونَ باشتقاقِه اختلفوا اختلافًا كثيرًا، فمنهم مَنْ قال: هو مشتقّ من لاهَ يليه أي ارتفع، ومنه قيل للشمس: إلاَهة بكسر الهمزة وفتحها لارتفاعها، وقيل: لاتخاذِهِم إياها معبودًا، وعلى هذا قيل: لَهْيَ أبوك يريدونَ: للهِ أبوك، فَقَلَب العينَ إلى موضع اللام. وخَفَّع فَحَذَفَ الألفَ واللامَ وحَذَفَ حرفَ الجرِ. وأَبْعد بعضُهم فَجَعَلَ مِنْ ذلك قولَ الشاعر:
ألا ياسَنا بَرْقٍ على قُلَلِ الحِمى ** لَهِنَّكَ من برقٍ عليَّ كريمُ

قال: الأصل: لله إنك كريم عليَّ، فَحَذَفَ حرف الجر وحرف التعريف والألفَ التي قبل الهاء من الجلالة، وسَكَّن الهاءَ إجراءً للوصل مُجْرى الوقف، فصار اللفظ: لَهْ، ثم أَلقى همزة إنَّ على الهاء فبقي: لَهْنَّك كما ترى، وهذا سماجَة من قائلِه. وفي البيت قولان أيسرُ من هذا.
ومنهمَ مَنْ قال: هو مشتقّ من لاخه يَلُوه لِياهًا. أي احتجَبَ، فالألف على هذين القولين أصلية، فحينئذ أصلُ الكلمة لاَهَ، ثم دخل عليه حرفُ التعريف فصار اللاه، ثم أُدْغِمت لام التعريف في اللام بعدها لاجتماعِ شروطِ الإدغام، وفُخِّمت لامُه. ووزنُه على القولين المتقدِّمين إمَّا: فَعَل أو فَعِل بفتح العين أو كسرها، وعلى كل تقدير: فتحرَّك حرفُ العلة وانفتحَ ما قبلَه فقُلِب ألفًا، وكان الأصلَ: لَيَهًا أو لَيِهًا أو لَوَهًا أو لَوِهًا. ومنهم مَنْ جَعَلَه مشتقًا من أَلَه، وأَلَه لفظ مشترك بين معانٍ وهي: العبادةُ والسكون والتحيُّر والفزع، فمعنى غله أنَّ خَلْقَه يعبدونه ويسكنون إيله ويتحيَّرون فيه ويفزعون إليه. ومنه قولُ رؤبة:
للهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ ** سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألُّهي

أي: من عبادتِه، ومنه {ويذرُك وإلاَهَتَك} أي عبادتك. وإلى معنى التحيُّر أشار أمير المؤمنين بقوله: كَلَّ دون صِفاته تحبيرُ الصفات وضَلَّ هناك تصاريفُ اللغات وذلك أن العبد إذا تفكَّر في صفاته تحيَّر، ولهذا رُوي: «تفكروا في آلاء الله، ولا تتفكروا في الله» وعلى هذا فالهمزةُ أصلية والألفُ قبل الهاء زائدة، فأصلُ الجلالة الكريمة: الإله، كقولِ الشاعر:
معاذَ الإله أن تكونَ كظبيةٍ ** ولا دُمْيَةٍ ولا عَقِيْلَةٍ رَبْرَبٍ

ثم حُذِفت الهمزةُ لكثرةِ الاستعمال كما حُذفت في ناس، والأصل أُناس كقوله:
إنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ ** ـنَ على الأُناس الآمِنينا

فالتقى حرفُ التعريفِ مع اللامِ فأُدْغِم فيها وفُخِّم. أو نقول: إن الهمزة من الإله حُذِفت للنقل، بمعنى أنَّا نَقَلْنا حَرَكتَها إلى لام التعريف وحَذَفْناها بعد نقل حركتها كما هو المعروف في النقل، ثم أُدغم لامُ التعريف كما تقدَّم، إلا أنَّ النقلَ هنا لازِم لكثرةِ الاستعمال.